تتمة العقيدة الطحاوية
والمعراج حق . وقد أسري بالنبي صلى
الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة
إلى السماء ومن ثم إلى حيث شاء الله من العلا .
وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى
: (( ما كذب الفؤاد ما رأى )) ، فصلى الله
عليه وسلم في الأخرة والأولى . والحوض
الذي أكرمه الله تعالى به حق . والشفاعة
التي ادخرها له حق، كما روي في الأخبار .
والميثاق الذي أخذه الله تعالى
من آدم وذريته حق .
وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من
يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة
واحدة ، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه .
وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه ،
وكل ميسر لما خلق له . والأعمال بالخواتيم ،
والسعيد من سعد بقضاء الله
والشقي من شقي بقضاء الله .
وأصل القدر سر الله في خلقه ، لم يطلع
على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل .
والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان
وسلم للحرمان ودرج الطغيان . فالحذر كل
الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة .
فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه
ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه :
(( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ))
فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ،
ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين .
فهذه جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء
الله تعالى ، وهي درجة الراسخين في العلم ،
لأن العلم علمان :
علم في الخلق موجود .
وعلم في الخلق مفقود .
فإنكار العلم الموجود كفر .
وادعاء العلم المفقود كفر .
ولا يثبت الإيمان
إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود .
ونؤمن باللوح والقلم ، وبجميع ما فيه قد رقم .
فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء قد كتبه
الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن
لم يقدروا عليه ، ولو اجتمعوا كلهم على
شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه
كائنا لم يقدروا عليه . جف القلم بما هو
كائن إلى يوم القيامة ، وما أخطأ العبد
لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه .
وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه
في كل كائن من خلقه، فقد ذالك تقديرا
محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ،
ولا مزيل ولا مغير . ولا ناقص ولا زائد من
خلقه في سماواته وأرضه ، وذالك من
عقد الإيمان وأصول المعرفه والإعتراف
بتوحيد الله تعالى وبربوبيته ،
كما قال تعالى في كتابه:
(( وخلق كل شيْ فقدره تقديرا )) ،
وقال تعالى : (( وكان أمر الله قدرا مقدورا )) .
فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما ،
وأحضر للنظر فيه قلبا سليما ، لقد إلتمس
بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما .
وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما .
والعرش والكرسي حق ، وهو مستغن
عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء
وفوقه ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه .
وتقول إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم
موسى تكليما ، إيمانا وتصديقا وتسليما .
ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة
على المرسلين .
ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين .
ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا
بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
معترفين وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين .
ولا نخوض في الله ، ولا نماري في دين
الله ، ولا نجادل في القران ، ونشهد أنه
كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين
فعلمه سيد المرسلين محمدا صلى الله
عليه وسلم . وهو كلام الله تعالى لا يساويه
شيء من كلام المخلوقين ، ولا نقول بخلقه
ولا نخالف جماعة المسلمين .
ولا نكفر أحدل من أهل القبلة بذنب ما لم
يستحله . ولا نقول : لا يضر مع الإيمان ذنب
لمن عمله . نرجوا للمحسنين أن يعفو عنهم
ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم
ولا نشهد لهم بالجنة .
ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم ولا نقنطهم .
والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام ،
وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة .
ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه .
والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان .
وجميع ما صح عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله
حق ، والإيمان واحد وأهله في أصله سواء .
والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة
الهوى وملازمة الأولى . والمؤمنين كلهم
أولياء الرحمن وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقران .
والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
وحلوه ومره من الله تعالى . ونحن مؤمنون
بذلك كله لا نفرق بين أحد من رسله ،
ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به .
وأهل الكبائر من أمة محمد صلى
الله عليه وسلم في النار لا يخلدون
إذا ماتوا وهم موحدون ، وإن لم يكونوا
تائبين ، بعد أن لقوا الله عارفين (مؤمنين)
وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر
لهم وعفا عنهم بفضله ، كما ذكر عز وجل
في كتابه : (( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ،
وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم
منها برحمته وشفاعة الشافعين من
أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته ،
وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته
ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته
الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من
ولايته . اللهم يا ولي الإسلام وأهله
ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به .
ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من
أهل القبلة وعلى من مات منهم .
ولا ننزل أحد منهم جنة ولا نارا ،
ولا نشهد عليهم بكفر ولا شرك
ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء
من ذلك ، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى .
ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد
صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف .
ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا
وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا
من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله
عز وجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ،
وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة .
ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ
والخلاف والفرقة . ونحب أهل العدل
والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة .
وقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه .
ونرى المسح على الخفين في السفر
والحضر كما جاء في الأثر .
والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر
من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام
الساعة ، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما .
ونؤمن بالكرام الكاتبين ، فإن الله
قد جعلهم علينا حافظين . ونؤمن بملك
الموت الموكل بقبض أرواح العالمين .
وبعذاب القبر لمن كان أهلا له .
وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه
ونبيه ، على ما جاءت به الأخبار عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة
رضوان الله عليهم . والقبر روضة من رياض
الجنة وأو حفرة من حفر النيران .
ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة
والعرض والحساب وقراءة الكتاب
والثواب والعقاب والصراط والميزان .
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا
ولا تبيدان ، وأن الله خلق الجنة والنار
قبل الخلق ، وخلق لهما أهلا . فمن شاء
منهم إلى الجنة فضلا منه ،
ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه .
والخير والشر مقدران على العباد ،
وأى استطاعة التي يجب بها الفعل
من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن
يوصف المخلوق به فهي من مع الفعل ،
وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع
والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل
وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال الله تعالى :
(( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) .
وأفعال العباد خلق من الله وكسب من العباد ،
ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون ، ولا يطيقون
إلا ما كلفهم ، وهو تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله".
نقول لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد
ولا تحول لأحد من معصية الله إلا بمعونة
الله ، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة
الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله .
وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى
وعلمه وقضاؤه وقدره . غلبت مشيئته
المشيئات كلها . وغلب قضاؤه الحيل كلها ،
يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا ، تقدس
عن كل سوء وحين وتنزه عن كل عيب وشين
(( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون )) .
وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة
للأموات ، والله تعالى يستجيب الدعوات
ويقضي الحاجات ويملك كل شيء
ولا يملكه شيء ، ولا غنى عن الله
طرفة عين ، ومن استغنى عن الله
طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين .
والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى .
ونحب أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم
ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم
وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير
وحبهم دين وإيمان وإحسان
وبغضهم كفر ونفاق وطغيان .
ونثبت الخلافة بعد رسو ل الله صلى
الله عليه وسلم أولا لأبي بكر الصديق
رضي الله عنه ، تفضيلا له وتقديما على
جميع الأمة ، ثم لعمر بن الخطاب رضي
الله عنه ، ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ،
ثم لعي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون .
وأن العشرة الذين سماهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة
نشهد لهم بالجنة ، على ما شهد لهم
رسو ل الله صلى الله عليه وسلم وقوله
الحق ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
وطلحة والزبير وسعد وسعيد
وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ،
وهو أمين هذه الأمة ، رضي الله عنهم أجمعين .
ومن أحسن القول في أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات
من كل دنس وذرياته المقدسين من
كل رجس فقد برئ من النفاق .
وعلماء السلف من السابقين ومن
بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر
وأهل الفقه والنظر لا يذكرون
إلا بالجميل ، ومن ذكرهم بسوء
فهو على غير السبيل .
ولا نفضل أحدا من الأولياء على
أحد من الأنبياء عليهم السلام ، ونقول :
نبي واحد أفضل من جميع الأولياء .
نؤمن بما جاء من كراماتهم وصح
عن الثقات من رواياتهم .
ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال
ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من
السماء ، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها
وخروج دابة الأرض من موضعها . ولا نصدق
كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف
الكتاب والسنة وإجماع الأمة .
ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة
زيغا وعذابا . ودين الله في الأرض والسماء
واحد وهو دين الإسلام . قال الله تعالى :
(( إن الدين عند الله الإسلام ))
وقال : (( ورضيت لكم الإسلام دينا ))
وهو بين الغلو والتقصير ، وبين التشبيه
والتعطيل ، وبين الجبر والقدر ،
وبين الأمن والإياس .
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا ،
ونحن برءاء إلى الله من كل من
خالف الذي ذكرناه وبيناه .
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ،
ويختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة
والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل :
المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية
والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا
السنة والجماعة وحالفوا الضلالة ،
ونحن منهم برءاء وهم عندنا
ضلال وأردياء .
وبالله العصمة والتوفيق .